فصل: الطرف السابع في اللواحق:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.الطرف الثالث في المستندات:

وفيه جملتان:
الجملة الأولى في صورة ما يكتب:
وهو على ضربين:
الضرب الأول: أن يضاف إلى مرسوم السلطان:
وله خمس حالات:
الحالة الأولى: أن يكون بتلقي كاتب السر، إما بما يأمر به السلطان عند قراءته القصة عليه، أو بما يكتبه كاتب السر ويمضيه من نفسه، كما في خلاص الحقوق ونحوها، فيكتب فيه حسب المرسوم الشريف في سطرٍ واحد لا غير.
الحالة الثانية: أن يكون بتلقي كاتب السر أو أحد من كتاب الدست بدار العدل، عند جلوس السلطان في المواكب بالإيوان وقراءة كاتب السر وكتاب الدست قصص المظالم ونحوها عليه. فيكتب فيه حسب المرسوم الشريف من دار العدل الشريف سطرين أحدهما تحت الآخر، ويكون في السطر الأول حسب المرسوم الشريف والباقي في السطر الثاني.
الحالة الثالثة: أن يكون برسالة الدوادار. فيكتب فيه حسب المرسوم الشريف سطراً واحداً، ثم يكتب تحته برسالة الجناب العالي الأميري الدوادار، الفلاني باللقب المضاف إلى الملك كالناصري ونحوه ضاعف الله تعالى نعمته ويكون آخر السطر الأول الأميري الفلاني.
الحالة الرابعة: أن يكون من ديوان الخاص. فيكتب فيه حسب المرسوم الشريف من ديوان الخاص الشريف ويكون حسب المرسوم الشريف سطراً، وباقي الكلام سطراً.
الحالة الخامسة: أن يكون بخط السلطان بظاهر قصةٍ. فيكتب حسب المرسوم الشريف بالخط الشريف سطرين، ويكون حسب المرسوم الشريف سطارً على ما تقدم، وما بعده سطراً.
قلت: ومما يجب التنبه له أن لفظ حسب الواقع في المستندات منقول اللغة فيه بفتح السين كما تقول: فعلت ذلك حسب أمرك، ولا يجوز تسكينها بحال كما أطبق عليه علماء اللغة، إلا ما حكاه الجوهري في صحاحه من جواز تسكينها في ضرورة الشعر، على أن جل كتاب الزمان يغلطون في ذلك فلا ينطقون بها إلا ساكنة السين، وربما ضبطوه كذلك في الكتابة.
الضرب الثاني: أن يجعل مستنده الإشارة:
وله ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يكون بإشارة النائب الكافل، فيكتب بالإشارة العالية الأميرية الكبيرية الكافلية، كافل الممالك الشريفة الإسلامية، أعلاها الله تعالى! سطرين، ويكون آخر السطر الأول الكافلية الفلانية.
الحالة الثانية: أن يكون بإشارة الوزير، فيكتب بالإشارة العالية الوزيرية الفلانية، مدبر الممالك الشريفة أعلاها الله تعالى! سطرين، ويكون آخر السطر الأول الوزيرية الفلانية.
الحالة الثالثة: أن يكون بإشارة الإستدار، فيكتب بالإشارة العالية الأميرية الكبيرية الفلانية، إستدار العالية، أعلاها الله تعالى! سطرين، ويكون آخر السطر الأول الكبيرية الفلانية. وقد تقدم في الكلام على الألقاب ما جرى عليه الكتاب في لفظ إستدار من التحريف، واستعملوه بلفظ إستادار، أو استاد الدار، وتجب موافقتهم عليه وإن كان خطأ جرياً على المصطلح.
الجملة الثانية في موضع كتابة المستند:
وقد اصطلح الكتاب على أن يكتب المستند في الغالب بعد التاريخ، ويكون الظرف أو الجار والمجرور فيه متعلقاً من التاريخ بلفظ كتب، وكأنه يقول: كتب في تاريخ كذا، حسب الأمر الشريف، أو بالإشارة الفلانية. وربما كتب بحاشية المكتوب في المراسيم الصغار التي تكتب على ظهور القصص ونحوها، وكذلك أوراق الطريق، وموضع كتابته يقابل بين السطرين الأولين آخذاً من جهة الأسفل إلى جهة الأعلى بحيث يكون آخر كتابة المستند مسامتاً للسطر الأول، فإن كان حسب المرسوم الشريف فقط، كتبه سطراً واحداً، وإن كان من دار العدل كتب حسب المرسوم الشريف سطراً، ومن دار العدل الشريف سطراً تحته، وكذلك إن كان من ديوان الخاص كما يكتب في أسفل الكتاب. وإن كان برسالة الدوادار، فقد جرت العادة أن يكتب حسب المرسوم الشريف في أسفل الكتاب تحت التاريخ سطراً واحداً، ويكتب برسالة الجناب العالي، الأميري، الكبيري، الفلاني، الدوادار، الفلاني ضاعف الله تعالى نعمته! بالهامش في المحل المتقدم، سطرين كما كان يكتب بآخر الكتاب. وإن كان المستند الإشارة كتب جميعه بحاشية الكتاب في المحل المقدم ذكره سطرين على ما تقدم بيانه.

.الطرف الرابع في الحمدلة في آخر الكتاب:

وفيه جملتان:
الجملة الأولى في الأصل في كتابتها:
والأصل في ذلك أن الله سبحانه كما جعل الحمد مفتاحاً للأمور تيمناً بالافتتاح به، جعله ختاماً لها تيمناً بالاختتام به، قال تعالى: {وقضي بنيهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} وقال جلت قدرته: {دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلامٌ وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين}. وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، إذا رجع من السفر قال: «ائبون تائبون لربنا حامدون». قال السهيلي: ومن ثم سمي النبي صلى الله عليه وسلم أحمد إشارةً إلى أنه خاتم الأنبياء وآخر المرسلين.
ولما كان الأمر كذلك، اصطلح الكتاب على اختتام الكتب بالحمد تبركاً. قال ابن شيث في معالم الكتابة: ولا يختم بالحمد لله في التواقيع في المظالم، وربما ختم بها في تواقيع الإطلاقات. وقد اصطلح كتاب الزمان على حذفها من آخر ما لا يكتب في أوله البسملة، كالتواقيع الصغار ونحوها، على ما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعال. وكأنهم يشيرون بذلك إلى أن مثل ذلك لا يهتم بشأنه، فكما حذفوا البسملة من أولها حذفوا الحمدلة من آخرها إشارةً إلى عدم الاهتمام بها كما حذفت من أول الكلام الذي لا يهتم به لأجل ذلك على ما تقدم بيانه.
الجملة الثانية في بيان ما يكتب وصورة وضعه في الكتابة:
أما ما يكتب، فقد اصطلحوا على أن يكتبوا في حمدلة آخر الكتاب الحمد لله وحده وربما كتبوا: الحمد لله رب العالمين. على أنهم لو أطبقوا على كتابتها لكان أولى. فقد ذكر النووي في كتابه الأذكار أنها أفضل صيغ الحمد ومن أجل ذلك افتتحت بها فاتحة الكتاب التي هي أم القرآن.
وأما وضعها في الكتابة، فقد اصطلحوا على أن جعلوها بعد كتابة المستند عن يمنة الدرج، على بعد قدر ما بين إن شاء الله تعالى والسطر الآخر من المكتوب. قال في معالم الكتابة وقد تحتمل الخروج عن سمت السطور.

.الطرف الخامس في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الكتاب وما يلتحق بذلك:

وفيه جملتان:
الجملة الأولى في أصل إثباتها في آخر الكتاب:
والأصل في ذلك مع ما تقدم في الكلام على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في أول الكتب في الكلام على الفواتح أنه كما ذكرت في أوائل الكتب تبركاً، كذلك ذكرت في آخرها تبركاً. وقد قال تعالى في حقه صلى الله عليه وسلم: {ورفعنا لك ذكرك} فإن معناه ما ذكرت إلا ذكرت معي، ولما اختتمت الكتب بالحمد لله، ناسب أن يقرن الحمد بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، جمعاً بين ذكره وذكر الله تعالى. وقد ذكر ابن هشام في سيرته أن النبي صلى الله عليه وسلم، كتب في آخر عهده لعمرو بن حزم حين وجه إلى اليمن صلى الله على محمد.
ثم الكلام في الجمع بين الصلاة والسلام، والصلاة على الآل والصحب بعده صلى الله عليه وسلم في آخر الكتاب على ما مر في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في أول الكتاب.
قلت: فلو كتب كتابٌ لسلطانٍ أو غيره من المسلمين إلى أحد من أهل الكفر، فهل يؤتى بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما يؤتى بها في الكتاب إلى المسلم إرغاماً للكافر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، أو لا يؤتى بها صيانةً لاسمه صلى الله عليه وسلم عن حصوله في يد كافرٍ، كما يمنع من السفر بالمصحف إلى بلاد الكفر؟ لم أر من تعرض له، والظاهر أنه يؤتى بها إرغاماً للكافر، ومواجهةً له بما يكره.
وقد حكى أبو هلال العسكري في كتابة الأوائل أن عبد الملك بن مروان، حين أحدث كتابة سورة الإخلاص وذكر النبي صلى الله عليه وسلم، على الدنانير والدراهم، كتب إليه ملك الروم: إنكم قد أحدثتم في طوأميركم شيئاً من ذكر نيبكم، فاتركوه وإلا أتاكم في دنانيرنا ذكر ما تكرهون، فعظم ذلك في صدر عبد الملك، فأرسل إلى خالد بن يزيد بن معاوية يستشيره في ذلك، وكان أديباً عالماً فقال له خالدٌ: فرخ روعك يا أمير المؤمنين، حرم دنانيرهم واضرب للناس سككاً فيها ذكر الله تعالى وذكر رسوله صلى الله عليه وسلم ولا تعفهم مما يكرهون في الطوأمير، ففعل.
الجملة الثانية في بيان ما يكتب في التصلية في آخر الكتب وصورة وضعه في الكتابة:
أما صورة ما يكتب، فقد اصطلح الكتاب على أن يكتبوا في التصلية في آخر الكتاب بعد الحمد لله وحده ما صورته وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلامه. وهي صيغة مستحسنة للإتيان بالصلاة فيها بصيغة الجمع، والجمع بين الصلاة والسلام، وإتباع الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، بالصلاة والسلام على الآل والصحب. وربما أتى بعض الكتاب بالصلاة بلفظ الإفراد، فيكتب وصلاته.
واعلم أن الصلاة يجوز كتابتها بالألف على هذه الصورة الصلاة ويجوز كتابتها بالواو على هذه الصورة الصلوة إلا أن محل ذلك ما إذا لم تضف إلى ضمير نحو صلاته وصلاتك. فإن أضيفت إلى الضمير تعينت كتابتها بالألف دون الواو، وربما غلط فيها بعض الكتاب فكتبها بالواو.
وأما موضعها في الكتابة، فقد اصلطلحوا على أن يكتبوا ذلك تلو الحمد لله وحده، يفصل بياض بينهما لتكون الحمدلة في أول السطر، والتصلية في آخره.

.الطرف السادس في الحسبلة في آخر الكتاب:

وفيه جملتان:
الجملة الأولى في أصل كتابتها:
والأصل في ذلك ما دل عليه قوله تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ} فجعل قولهم: حسبنا الله ونعم الوكيل سبباً لحسن المنقلب والصون عن السوء. وقد قيل: من قال حسبنا الله ونعم الوكيل لم يخب في قصده.
الجملة الثانية في بيان ما يكتب في ذلك وكيفية وضعه في الكتابة:
أما ما يكتب، فقد اصطلح الكتاب على أن يكتبوا حسبنا الله ونعم الوكيل بلفظ الجمع، على أن المتكلم يتكلم بلسانه ولسان غيره من الأمة، لا أن الجمع للتعظيم، لأنه ليس بلائق بالمقام. وكان بعض الكتاب يستحب أن يكتب حسبي الله بلفظ الوحدة فراراً من اللبس في لفظ الجمع بين التعظيم والجمع الحقيقي. وقد أشار في صناعة الكتاب إلى بعض ذلك. قال ابن شيث في معالم الكتابة: وقد يتأدب الأدنى مع الأعلى، فيأتي بالآية على نصها فيقول: {وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل} فراراً من نون الجمع التي هي للعظمة. قال: وقد يقال في مكانها: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} ثم قال: فأما الأعلى إذا كتب للأدنى فلا يخرج عن حسبنا الله ونعم الوكيل. ثم بعض الكتاب قد يكتب مع الحسبلة واواً بأن يكتب: وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا معنى للواو هنا، إذ لا علاقة بين الحسبلة وما قبلها حتى يسوغ العطف عليه، فالواجب حذفها كما نبه عليه الشيخ جمال الدين بن هشام في ورقاته في الوراقة.
وأما موضع وضعها في الكتابة، فقد اصطلحوا على أن يكتبوها سطراً واحداً بعد سطر الحمدلة والتصلية، ويكون بينهما في البعد قدر ما بين إن شاء الله تعالى وبين السطر الآخر من البياض. قال ابن شيث: وموضعها ثلث السطر من الجانب الأيمن إلى حيث ينتهي.
واعلم أن الكتاب قد اصطلحوا على أن يكتبوا تحت الحسبلة صورة حاء لطيفة منكبة على هذه الصورة حر ولا معنى لها، إذ هي في الأصل إشارة إلى الحسبلة نفسها، وكأن بعض الكتاب كان يكتفي بها عن الحسبلة، ثم التبس ذلك على بعض الكتاب فأثبتها مع الحسبلة على ظن أن فيها قدراً زائداً عليها، ويحتمل أنها إنما وضعت في الأصل لسد البياض كما يكتب بعض الدوائر لسد البياض أو الفصل بين الكلامين وغير ذلك.

.الطرف السابع في اللواحق:

وفيه جملتان:
الجملة الأولى في التتريب:
ويتعلق به أمران:
الأمر الأول في الندب إلى التتريب:
لا نزاع في أن تتريب الكتاب بعد الفراغ منه بإلقاء الرمل ونحوه عليه مطلوبٌ، وفيه معنيان: المعنى الأول التبرك طلباً لنجح القصد، فقد روى محمد بن عمر المدائني في كتاب القلم والدواة بسنده عن إسماعيل بن محمد بن وهبٍ عن هشام بن خالد وهو أبو مروان الأزدي، عن بقية بن الوليد، عن عطاءٍ، عن ابن جريج، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تربوا الكتاب ونحوه من أسفله فإنه أعظم للبركة وأنجح للحاجة». وفي حديث «إذا كتب أحدكم كتاباً فليتر به فإنه مباركٌ وهو أنجح لحاجته». ومن كلام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تربوا الكتاب تنجحوا. ويؤيد ذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب كتابين إلى أهل قريتين فترب أحدهما ولم يترب الآخر، فأسلمت القرية التي ترب كتابها. وهذا المعنى موجود في المكاتبات والولايات وغيرهما لطلب البركة والنجاح في جميع ذلك.
وقد حكي أن أبا دهمان مرض مرضاً أشفى فيه، فأوصى وأملى وصيته على ابنه، فكتبها وأتربها فقال: نعم تربها فإنه أنجح للحاجة. ولا فرق في ذلك بين أن يكون المكتوب قد جف أم لا، لأن القصد إنما هو النجح والبركة.
المعنى الثاني التجفيف لما كتبه بطرح التراب عليه كي لا ينمحي بما يصيبه قبل الجفاف، وهذا المعنى أضعف من الأول، ومقتضاه أنه إذا جف الكتاب لا يترب، وعليه عمل كتاب الزمان. ومن هنا يضعون التراب على آخر الكتاب من حيث أنه أقرب عهداً بالكتابة فيحتاج إلى التجفيف، بخلاف أول الكتاب فإنه يكون قد جف عند نهاية الكتاب غالباً، لا سيما في الزمن الحار، أو مع طول الكتاب وامتداد زمن كتابته. على أن صاحب مواد البيان وغيره من قدماء الكتاب قد صرحوا بأنه يستحب وضع التراب أولاً على البسملة، ثم يمره الكاتب منها على سائر المكتوب ليعم الكتاب بركة البسملة. ولقائلٍ أن يقول إن التتريب من آخر الكتاب إلى أعلاه لا يخلو أيضاً من بركة، لملامسة التراب أولاً الحمدلة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والحسبلة. وربما أبلغ بالتراب من أسفل الكتاب إلى البسملة ثم أعاده فيجمع فيه بين البركتين.
الأمر الثاني فيما يترب به الكتاب:
وقد اصطلح كتاب الزمان على التتريب بالرمل الأحمر. أما تخصيصهم التتريب بالرمل، فلأنه لا غبار فيه يعلق بالكتاب فيذهب بهجة الورق. وأما اختيارهم الأحمر دون غيره فلأنه أبهج إذا لصق بالكتاب. قال محمد بن عمر المدائني: وكرهوا ونهوا عن تراب الحيطان، ومالوا إلى النشارة والأشنان. قال: وبلغنا أن بعض الأئمة من أهل العلم كان يترب الحديث بالصندل ويقول: لا أطرح على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، التراب. وكان حيوة بن شريح يخرج إلى الصحراء فيأخذ الطين الأسود فيدقه وينخله فيترب به. وقد صرح الرافعي وغيره من أصحابنا الشافعية أنه يحرم التتريب من جدار الغير، ومعناه ظاهرٌ لما فيه من الاغتصاب والاعتداء. وقد سبق في المقالة الأولى في الكلام على الخط ذكر أنواع الرمل، وأن من أحسنه رملاً يؤتى به من صحراء ماردين، فيه شذورٌ صفر كشذور الذهب، يلقى في الرمل الأحمر فيترب به الأمراء والوزراء ومن في معناهم.
الجملة الثانية في نظر الكاتب في الكتاب وتأمله بعد الفراغ منه:
قد نصوا على أنه إذا فرغ الكاتب من كتابة الكتاب ينبغي له أن يتأمله من أوله إلى آخره ويتتبع ألفاظه ويتأمل معانيه ويصلح منها ما لعله وهم فيه الفكر أو سبق إليه القلم، ليسلم من قدح القادح وطعن الطاعن. وقد تقدم في مقدمة الكتاب أن صاحب الديوان لا يكتفي بنظر الكاتب في ذلك، بل يكله إلى نظر كاتبٍ كاملٍ ينصبه لذلك، ثم يتأمله هو بنفسه بعد ذلك ليتنقح الكتاب ويتهذب.